تَذْكِيرُ الأَصْحَابِ بِخَطَرِ عِبَادَةِ الْقُبُورِ وَالْقِبَابِ
بِقَلم / ربيع الأديب
الْحَمدُ للهِ الّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَمَا كَانَ مَعَهُ منْ إلَهٍ ، الّذِي لاَ إلَهَ إلاّ هوَ ولاَ خَالِقَ غَيرُهُ ولاَ ربَّ سِواهُ ، المُسْتَحِقُّ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ وَلِذَا قَضَى أنْ لاَ نَعْبُدَ إلاَّ إيّاهُ ، ذَلِكَ بأنَّ اللهَ هوَ الْحقُّ وَأنَّ مَايَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأنَّ اللهَ هو العَليُّ الْكَبيرُ ....وأشْهدُ أنَّ سيِّدَنَا ونبينا مُحَمَّداً عبدُهُ ورسُولهُ صَلّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلّمَ ...
وَبَعْدُ :
فَمِنَ الْفَسَادِ الّذِي عَمَّ وطَمَّ فِي هَذِه اْلآونةِ الأخيرةِ وازْدَادَ انْتِشَاراً مَا يُسَمَّى بعِبَادَةِ الْقُبُورِ أو بِعُبَّادِ الْقُبُورِ ، فِمن بَعدِ ما كَادَتْ أنْ تُدْفَنَ هَذِهِ الْعَقِيدةُ ويُوَارَى عَلَيْهَا التُّرابُ ، أََخَذَتْ تُطِلُّ بِرَأْسِهَا مِن جَدِيدٍ وَبَلَغَتْ منَ الإنْتِشَارِ بيْنَ النَّاسِ مَبْلَغاً عَظِيماً ، فَأخَذَ يَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ أنَّ الْقُبُورَ الّتِي تُدْفَنُ فِيهَا جُثَثٌ لاَ حَرَكَةَ لَهَا تَنْفَعُ وتَضُرُّ وأخَذَت تِلْكَ الْخُرافَةُ ترْتَفِعُ إلَى الذِّرْوةِ ...حِينَمَا يَعْمَدُ الْمُتَخَصِّصُونَ الْمُشْرِكونَ فِيهَا إِلَى تَقْسِيمِ تَخَصُّصَاتِ الْمَشَايخِ وَالأَضْرِحةِ ...فَضَريحُ السّيِّدةِ فُلانة يُزَارُ لِزَواجِ الْعَوانِسِ ، والشّيْخُ فُلان يُزارُ ضَريحُهُ في مسَائِلِ الرِّزْقِ ، والْقَادِرةُ الشّاطِرةُ صَاحبَةُ الضّريحِ الْفُلاني يُحَجُّ إلَيها فِي مَشَاكِلِ الْحُبِّ ، والهَجْرِ ، وَالْفِراقِ ، والطّلاقِ ...وَهَكَذَا مُؤَامَرَةٌ مُحْكَمَةُ الْحَلَقَاتِ تُلِفُّ خُيُوطَهَا حَوْلَ السّذّجِ والْمَسَاكينِ ، وكأنَّهم لَمْ يَقْرَأوا فِي الْقُرْآنِ قولَ الله تَعَالى : " وإنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لهُ إلاَّ هوَ وإنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ " [ المائدة : 17 ] ، ومِنَ العَجَبِ أنَّ الانْصيَاعَ إلَى الخُرَافاتِ لَيْسَ وَقْفاً علَى عَامّةِ النّاسِ أَو جَهَلَتِهم ..بلْ منَ الْمُؤْسِفِ أَنَّهَا تتَمَتَّعُ بِسُلْطَانٍ كَبيرٍ بينَ الْمُتَعَلِّمينَ [ وهم جهّالٌ في حقيقةِ الأمرِ لأنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدّنيا فقطْ ] ، والذِينَ دَرَسُوا فِي أرقَى الجَامِعاتِ ...وَهَكَذَا تَتَسَلَّلُ هَذِه الْعَقَائِدُ الْفَاسِدَةُ إِلَى ضَمَائِرِ النَّاسِ الّذِينَ لاَ تَحْمِيهمْ عقيدةٌ سَلِيمةٌ تَصُدُّ عَنْهُم هَذِه الشِّرْكياتِ الشَّرِسَةَ الضَّاريةَ ... [ مقدمة كنتُ قُبوريا ص 4 . 5 بِتصرّف يسير ]
جَاءَ الإِسْلامُ بِعَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ لِيَرْفَعَ نُفُوسَ الْمُسْلِمِينَ ويغْرسَ فِي قُلُوبِهمْ الشَّرَفَ والْعِزَّةَ والأنَفةَ والْحَمِيَّةَ ، وليعْتِقَ رِقَابَهُمْ منْ رِقِّ الْعُبُوديةِ ، فَلاَ يذِلُّ صَغِيرُهُمْ لِكَبِيرِهِمْ ، ولاَ يَهَابُ ضَعِيفُهُمْ قَويَّهُم ، وَلاَ يَكُونُ لِذِي سُلْطَانٍ بَيْنَهُم سُلْطَانٌ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَالْعَدلِ ، وَقَدْ تَرَكَ الإِسْلامُ بِفَضْلِ عَقِيدةِ التَّوْحِيدِ ذَلِكَ الأَثَرَ الصّالِحَ فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمينَ فِي الْعُصُورِ الأولَى ، فَكَانُوا ذَوي أنَفَةٍ وعِزَّةٍ وإِبَاءٍ وَغَيْرَةٍ ، يَضْرِبُونَ عَلَى يَدِ الظّالِمِ إِذَا ظَلَمَ وَيَقُولُونَ للْسُّلْطَانِ إذَا جَاوَزَ حَدَّهُ : قِفْ مَكَانَكَ ولاَ تَغْلُ فِي تَقْدِيرِ مِقْدَارِ نَفْسِكَ ، فَإِنَّمَا أنتَ عَبْدٌ مخْلُوقٌ لاَ ربٌّ مَعْبُودٌ ، واعْلَمْ أنّهُ لاَ إلَهَ إلاّ الله .
هَذِهِ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ نُفُوسِ الْمُسْلِمينَ في عَصْرِ التّوحِيدِ ، أمَّا الْيَوْمَ وَقدْ دَاخَلَ عَقِيدَتَهُمْ مَا دَاخَلَهَا مِنَ الشِّرْكِ الْبَاطِنِ تَارَةً والظَّاهِرِ أُخْرَى ، فَقَدْ ذَلَّتْ رِقَابُهُم وَخَفَقَتْ رؤُوسُهمْ وَضَرَعتْ نُفُوسُهُم وَفَتَرَتْ حَمِيَّتُهُمْ ، فَرضُوا بِخُطَّةِ الْخَسْفِ ، واسْتَنَامُوا إِلَى الْمَنْزِلةِ الدُّنْيَا فَوَجَدَ أَعْدَاؤُهُم السَّبِيلَ إِلَيْهم ، فَغَلَبُوهُم عَلَى أَمْرِهِم ، ومَلَكُوا عَلَيْهِم نُفُوسَهم وأمْوَالَهُم ومَوَاطِنَهُم ودِيَارَهُم ، فَأصْبَحُوا منَ الْخَاسِرِينَ .
واللهِ لَنْ يَسْتَرْجِعَ الْمُسْلِمُونَ سَالِفَ مَجْدِهِم ، ولَنْ يَبْلُغُوا مَا يُرِيدُونَ لأنْفُسِهم منْ سَعَادَةِ الْحَيَاةِ وَهَنَاءَتِهَا ، إلاَّ إذَا اسْتَرْجَعُوا قَبْلَ ذَلِكَ مَا أضَاعُوه منْ عَقِيدَةِ التّوْحِيدِ ، وَإنّ طُلُوعَ الشَّمْسِ منْ مَغْرِبِهَا وانْصِبابَ ماءِ النَّهْرِ فِي مَنْبَعِهِ أقْرَبُ مِنْ رُجُوعِ الإسْلامِ إِلَى سَالِفِ مَجْدَهِ ، مَادَامَ الْمُسْلِمُونَ [ زَعَمُوا ] يَقِفُونَ بينَ يَدَي الْجِيلاَنِي وَالْبَدَوِي والدَّسُوقِي والرِّفاعِي كَمَا يَقِفُونَ بينَ يَدي اللهِ .
إِنَّ اللهَ أَغْيَرُ عَلَى نَفْسِهِ منْ أنْ يُسْعِدَ أَقْوَاماً يَزْدَرُونَهُ ويَحْتَقِرُونَهُ وَيَتَّخِذُونَهُ وَرَاءَهم ظِهْرياً ، فَإذَا نَزَلَتْ بِهِم حَائِجَةٌ أوْ أَلَمَّتْ بهم مُلِمّةٌ ذَكَرُوا الْحَجَرَ قَبْلَ أنْ يَذْكُرُوهُ ، وَنَادَوْا الجِذْعَ قَبْلَ أنْ يُنَادُوه .
فأَِيُّ عَيْنٍ يَجْمُلُ بِهَا أَنْ تَسْتَبْقِيَ فِي مَحَاجِرِهَا قَطْرَةً واحِدةً مِنَ الدّمعِ ، فَلاَ تُرِيقُهَا أَمَامَ هَذَا الْمَنْظَرِ المُؤَثِّرِ الْمُحْزِنِ ، مَنْظَرِ أولَئِكَ الْمُسْلِمينَ [ زَعَمُوا ] وهُمْ رُكَّعٌ سُجَّدٌ عَلَى أعْتَابِ قَبْرٍ رُبَّمَا كَانَ بَيْنَهُم منْ هُوَ خَيْرٌ منْ سَاكِنِهِ فِي حَياتِهِ ، فَأحْرَى أنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بَعْدَ مَمَاتِهِ !!! . أيُّ قَلْبٍ يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَقِرَّ بَيْنَ جَنْبَيْ صَاحِبِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً فَلاَ يَطِيرُ جَزَعاً حِينَمَا يَرَى الْمُسْلِمين [ زعَمُوا ] أصْحَابَ دِينِ التَّوْحِيدِ أكْثَرَ الْمُشْرِكِينَ إِشْرَاكاً بِاللهِ ، وأَوسَعَهم دَائِرةً فِي تَعَدّدِ الآلِهَةِ وكَثْرَةِ الْمَعْبُوداتِ .[كما يقولُ المنفلوطي في نظراته ج 2 ص 63 فما بعدها] وَعمَّ هَذَا الدّاءُ الْوَبِيلُ سَائِرَ الأَقْطارِ الإسْلاَميةِ ، وَلَمْ يَسْلَمْ منهُ إلاَّ الْقَلِيلُ منَ عِبَادِ الله الصَّالحينَ والْعُلَمَاءِ الْعَامِلينَ الذِين عَرَفُوا التَّوحِيدَ الّذي جَاءَ بِهِ الأنبياءُ والْمُرْسَلُونَ ....
وَ هَذَا الشِّرْكُ الْقَبيحُ والْكفْرُ الشَّنِيعُ ((شِرْكُ الْقُبُورِ)) لَمْ يَكُنْ في خَيْرِ الْقُرُونِ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَقْدِيسَ الْقُبُورِ وَزِيَارةَ الْمَشَاهِدِ تَقْلِيدٌ شِيعِيٌّ رَافِضِيٌّ فِي نَشْأَتِهِ ، فَالشِّيعَةُ الرَّوَافِضُ - أخْزَاهُم اللهُ - هُمْ أوَّلُ مَنْ بَنَى الْمَشَاهِدَ والقِبَابَ عَلَى الْقُبُورِ قُبُورِ أوْلِيَاءِهمْ الطَّوَاغِيت ، حَيثُ تَتَبَّعُوا أَوْ زَعَمُوا تَحَرِّي قُبُور مَنْ مَاتَ قَدِيماً مِمّنْ يُعَظِّمُونَهُم مِنْ آلِ الرَّفْضِ وَمِنْ آلِ الصّفَويينَ أحْفَادِ ابنِ الْعَلْقَمِي - قبَّحَهُ اللهُ - ، لاَ آل الْبيتِ بيت النّبُوةِ كما يزْعُمُونَ ويَدّعُونَ ، فآلُ بيت رسُولِ الله صلى الله عليه وسلّمَ بَراءتُهُم من الرَّوافِضِ كبَراءَةِ ماءِ المُزنِ من شَوائِبِ الأَرْضِ كما لا يَخفَى علَى مُوحِّدٍ ذاقَ حلاَوةَ التّوحِيدِ ....ثُمَّ جَاءَتِ الصُّوفِيةُ الْخُرَافيةُ فَنَسَجُوا عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فَجَعَلُوا أهَمَّ مَشَاعِرهِم هُوَ زِيَارَةُ القُبُورِ وَبِنَاءُ الأَضْرِحةِ عَلَيْهَا والتّبَرُّكُ بأعْتَابِهَا وأحْجَارِهَا والتّمَسّحُ بِسَتَائِرِهَا والإسْتِغَاثَةُ بِأصْحَابِها الأمواتِ وَطَلَبُ الْمَدَدِ مِنْهُم والطّوافُ بِهَا كَمَا يُطَافُ بالكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ-شَرَّفَهَا اللهً-، وشّدُّ الرِّحَالِ إلَيْهَا ، قَالَ الأميرُ محمّدُ بنُ إسماعيل الصّنعَاني ((رحمه الله)) :
وَقَدْ هَتَفُوا عِنْدَ الشَّدَئِدِ بِاسْمِهَا كَمَا يَهْتِفُ الْمُضْطَرُّ بالصَّمَدِ الْفَرْدِ
وَكَمْ طَائِفٍ حَولَ القُبُورِ مُقَبِّلٌ وَمُسْتَلِمُ الأرْكَـانِ مِنْهُنَّ بِالأيْدِي
وأَمّا وقفُ الأمْوَالِ الطَّائِلَةِ عليْهَا حتّى أَنَّهُ قَدْ تَجْتَمِعُ فِي خَزَائِنِ بعضِ المَقْبُورينَ أمْوَالٌ تُعَدُّ بالْمَلاَيين فَحدِّث ولاَ حرَجِ .واللهُ الْمُسْتَعَانُ . ورَحِمَ اللهُ شَاعِرَ النِّيلِ حَافِظَ إبراهيم حيثُ يقُولُ كما في ((الدّيوان ص 96)) :
أحْيــَاؤُنَا لاَ يُـرْزَقُونَ بِدِرْهَـمٍ وبألْفِ ألْفٍ تُرْزَقُ الأَمْـواتُ
مَنْ لِـي بِحَـظِّ النَّائِمـينَ بِحُفْرَةٍ قَامَتْ عَلَى أعْتَابِهَا الصَّلَواتُ
يَسْعَى الأنَامُ لَهَا ويَجْرِي حَولَــهَا بَحْــرُ النُّذُورِ وتُقْرَأُ الآياتُ
وَيُقَالُ : هَذَاالقُطْبُ بَابُ الْمُصْطَفَى ووَسِيلَةٌ تُقْضَى بِهَا الْحَاجَاتُ
يَقُولُ شَيْخُ الإسْلام أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحليم بنِ تيميةَ ((عليه رحمة الله )) : وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وتَابِعِيهم مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ فِي بِلاَدِ الإسْلامِ ، لاَ فِي الْحِجَازِ ، ولاَ فِي الْيَمَنِ ، ولاَ الشَّامِ ، ولاَ العِرَاقِ ، ولا مِصْرَ ، ولاَ خُرَسَانَ ، وَلاَ الْمَغْرِبِ ، ، ولَمْ يَكُنْ قَدْ أُحْدِثَ مَشْهَدٌ ، لاَ عَلَى قَبْرِ نَبِيٍّ وَلاَ صَاحِبٍ ، وَلاَ أَحَدٍ مِنْ اهْلِ الْبَيْتِ ، ولاَ صَالحٍ أصْلاً ، بَلْ عَامّةُ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ مُحْدَثَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَكَانَ ظُهُورُهَا وَانْتِشَارُهَا حِينَ ضَعُفَتْ خِلاَفَةُ بَنِي الْعَبَّاسِ ، وَتَفَرَّقَتِ الأمَّةُ وَكَثُرَ فِيهم الزَّنَادِقَةُ الْمُلَبِّسُونَ عَلَى الْمُسْلِمينَ ، وَفَشَتْ فِيهم كَلِمَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ ، ذَلِكَ مِنْ دَوْلَةِ الْمُقْتَدِرِ فِي أَوَخِرِ الْمائَةِ الثَّالِثَةِ ، فَإنَّهُ إذْ ذَاكَ ظَهَرَتِ الْقَرَامِطَةُ الْعُبَيْدِيةُ الْقَدَّاحِيةُ فِي أَرْضِ الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ جَاؤُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ . اهـ (مَجمُوعُ الفتَاوى ج 27 / ص 466 ) .
قُلتُ : ثُمَّ جَاءَت زَنَادِقَةُ زَمَانِنا لِيَقُولُوا للسّذّجِ مِنَ النَّاسِ والبُسَطَاء منْ أهْلِ القِبْلَةِ إِنَّ تَصَوُّفََنا تَصَوُّفٌ سُنِّي ومنْ تَمَّ فَلاَ حَرَجَ عَلَى من تقدَّمَ بالشّعَائِرِ التَّعَبُّديةِ للقَبْرِ ولِصَاحِبِ الْقَبْرِ مِنْ ذَبْحٍ ونَذْرٍ ودُعَاءٍ واستِعَانَةٍ واسْتِغَاثَةٍ وغيْرِ ذَلِكَ منَ الأفعَالِ والأقْوالِ التي إذا فَعَلَهَا الْمُسْلمُ خرجَ منْ دِينِ الإسْلام مالم يكن حَديثَ عَهْدٍ بِإسْلامٍ أوْ نَشَأَ في بَادِيةٍ بعيدةٍ عن ديار الإسلام كما قَرّرَ ذَلِكَ عُلَماءُ هذَا الشّأنِ ...وَقدْ هَيَّؤُوا لِذَلكَ عُلَمَاءَ سُوءٍ ودُعَاةَ ضَلاَلَةٍ وشُيُوخَ بِدَعٍ بلْ قدْ أصبحَ دُعاةُ جَهَنّمٍ يُعْلِنُونَ ذَلِكَ عبْرَ إعْلاَمِهم النَّجِسِ وَمنَ خلاَلِ خضراء الدّمن الجرائِد والمجَلاّت – لعنَ اللهُ أصحَابَها – وكذَلِكَ فِي أفْلاَمِهم الخَبيثَةِ ، حتّى أصْبَحتْ هذِه الفَواقِرُ عندَ كثِيرٍ من ضِعَافِ الإيمان عَاديةً ولاَ حَولَ ولاَ قُوةَ إلاّ باللهِ . يقُولُ الشّيخُ الإمامُ سيدُ قُطب - رحمهُ الله - : فَلَيْسَ عَبْداً للهِ وحدَهُ منْ لاَيَعْتَقِدُ بِوَحْدانيةِ اللهِ سُبْحَانَهُ ...ليْسَ عَبْداً للهِ وحدَهُ منْ يَتَقَدَّمُ بِالشَّعَائِرِ التّعبّديةِ لأحَدٍ غير الله - معهُ أو منْ دُونِهِ – : " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي ومَحْياي ومماتِي للهِ ربِّ العَالَمين ، لاَ شَريكَ لهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنَا أولُ الْمُسْلِمين " [ الأنعام : 162 . 163 ] اهـ (( معالم في الطريق ص 94 )) .
قُلتُ : فإنَّ سَببَ هَذَا الشِّركِ الشَّنِيعِ والْكُفْرِ الفَظِيعِ هُوَ الْجَهْلُ بِاللهِ وَبِمَا جَاءَ بهِ رسُولُهُ -صلّى اللهُ عَليْه وسلّمَ- والإِعْراضُ عنِ العِلْمِ والْعُلَماء وَالتّصدِّي لهُمْ ورميُهُم بالعظَائِم كوهّابيين وتكفيريينَ وإرْهَابيينَ وَ أصُوليينَ لِتَنْفِير النّاسِ منْ دعوتِهم التِي تضُرُّ أَصْحَابَ الطُّرقِ الْمُغْرِضِين ومَشَايخ السّوء الحِزبيين الْمَقْبُوحِينَ الذين تُؤْذِيهم هذهِ الدّعوةُ دَعْوةُ التَّوْحِيدِ إِذَا مَا انْتَصَرَتْ وحَقَّقَتْ أهدَافَهَا ، فَتَنْقَطِعُ بِذَلِكَ مَوارِدُ رِزْقِهم ، وَتَنْتَهِي بذِلِكَ زعَامَاتهم ورِيَاسَاتهم ، ويَنْكَشِفُ دَجَلُهم وزيْفُ دعْوتِهم .
قَالَ الإمَامُ ابنُ الْقَيِّمِ -رحمهُ الله- : وَغَلَبَ الشِّرْكُ عَلَى أَكْثَرِ النُّفُوسِ لِظُهُورِ الْجَهْلِ وخَفَاءِ الْعِلْمِ ، فَصَارَ الْمَعْرُوفُ مُنْكَراً وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفاً ، والسُّنَّةُ بِدْعَةً ، والبِدْعَةٌ سُنَّةً ، وَنَشَأَ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرُ وهَرمَ عَلَيْهِ الْكَبِيرُ وطُمِسَتِ الأعْلاَمُ ، واشْتَدَّتْ غُرْبَةُ الإسْلامِ ، وَقَلَّ الْعُلَمَاءُ ، وغَلَبَ السُّفَهَاءُ ، وتَفَاقَمَ الأمْرُ واشْتَدَّ الْبَاْسُ ، وظَهَرَ الْفَسَادُ فِي البَرِّ والبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ ، ولكن لا تزَالُ طَائِفةٌ منَ العِصَابةِ الْمُحَمَّديةِ بالْحَقِّ قَائِمينَ ، ولأهْلِ الشِّركِ والبدَعِ مُجَاهِدينَ إلَى أنْ يَرِثَ اللهُ تَعَالَى الأرضَ ومنْ عَلَيْها وهوَ خيرُ الْوَارِثِين . اهـ [زاد المعاد ج 3 ص 461 ]
إِنَّ هَذَا الْوَاقِعَ الألِيمَ لَيْسَ شَرّاً مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَاقِعُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهليةِ ، حِينَ بُعِثَ إلَيْهم نَبِيُّنَا مُحَمَدٌ صَلّى اللهُ عليه وسلّمَ ، لِوُجُودِ الرِّسَالَةِ بَيْنَنَا وَكَمَالِهَا ، ووُجُودِ الطّائِفَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى الْحَقِّ ، والتِي تَهْدِي بِهِ ، وتَدْعُوا النَّاسَ للإسْلامِ الصَّحيحِ ، عَقِيدَةً ، وعِبَادَةً ، وسُلُوكاً ، ومنهجاً ، ولاَشكَّ بِأنَّ وَاقِعَ أولَئِكَ الْعَرَبُ فِي عصرِ الجَاهليةِ مُمَاثِلٌ لِمَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ منْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِين الْيَوْمَ ، بِناءً عَلَى ذَلِكَ نَقُولُ ، العِلاجُ هُو ذَلِكَ الْعِلاجُ ، والدَّواءُ هوَ ذَلِكَ الدَّواء ، فَبِمِثْلِ ما عالجَ النبي صَلّى اللهُ عليه وسلّمَ تِلْكَ الْجَاهِلية الأولَى ، فعلى الدّعاةِ الإسْلاَميينَ اليوْمَ جَميعهم أنْ يُعَالِجُوا سُوءَ فَهمِ " لا إلهَ إلاَّ الله "....كَما يقولُ المُحَدِّثُ الألباني ((رحمه الله)) في رسالة [التوحيد أولاً يَا دُعَاة الإسلام ص 7 . 8 ] .
قُلْتُ : فَالْوَاجِبُ عَلَى عُلَمَاءِ الْمُسْلِمينَ أن يُنْكِرُوا هَذَا الشِّركَ السَّمِجَ الْخَبيثَ ويبيِّنُوهُ للنَّاسِ ، والْوَاجِب عَلى كُلِّ طَالِبِ عِلمٍ كبُرَ أم صَغُر أن يَصْدعَ بالْحقِّ مهما كلّفهُ الثَّمن ويَجِبُ علَى منْ لهُ سُلْطَةٌ فِي البلادِ أن يُطَهِّرَ بيوتَ اللهِ من الأوثَان والعِظَام النّخِرة القَابِعَة في سَاحَتِها ...وللهِ درُّ الإمام الشّوكاني حيثُ يَقُولُ : (( وَكَمْ قَدْ سَرَى عَنْ تَشْييدِ أَبْنِيَةِ الْقُبُورِ وَتَحْسِينِهَا مِنْ مَفَاسِدَ يَبْكِي لَهَا الإِسْلاَمُ ،مِنْهَا اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ لَهَا كَاعْتِقَادِ الْكُفَّارِ لِلأَصْنَامِ ، وَعَظُمَ ذَلِكَ فَظَنُّوا أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَىجَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ، فَجَعَلُوهَا مَقْصِدًا لِطَلَبِ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَمَلْجَأً لِنَجاَحِ الْمَطَالِبِ ،وَسَأَلُوا مِنْهَا مَا يَسْأَلُهُ اْلعِبَادُ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَشَدُّوا إِلَيْهَا الرِّحَالَ ، وَتَمَسَّحُوا بِهَا وَاسْتَغَاثُوا، وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا شَيْئًا مِمَّا كَانَتْ الْجَاهِلِيَةُ تَفْعَلُهُ بِالأَصْنَامِ إِلاَّ فَعَلُوهُ ،فَإِنَّا لله وإنَّا إليهِ راجعونَ .وَمَعَ هَذَا الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ ،وَاْلكُفْرِ اْلفَظِيعِ ، لاَ نَجِدُ مَنْ يَغْضَبُ للهِ وَيَغَاُر حَمِيَّةً لِلْدِّينِ الْحَنِيفِ ، لاَ عَالِمًا ، وَلاَ مُتَعَلِّمًا، وَلاَ أَمِيرًا ، وَلاَ وَزِيرًا ، وَلاَ مَلِكاً ، وَقَدْ تَوَارَدَ إِلَيْنَا مِنَالأَخْبَاِر مَا لاَ يُشَكُّ مَعَهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلاَءِ الْقُبُورِيِّينَ أو أكثَرَهم ، إِذَا تَوَجَّهْتَ عَلَيْهِبِيَمِينٍ مِنْ جِهَةِ خَصْمِهِ حَلَفَ بِاللهِ فَاجِرًا ، فِإذاَ قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : احْلِفْ بِشَيْخِكَ وَمُعْتَقَدِكَ ،اْلوَلِيُّ اْلفُلاَنِي ، تَلَعْثَمَ وَتَلَكَّأَ وَأَبَى وَاعْتَرَفَ بِالْحَق ِّ. َوَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ شِرْكَهُمْ قَدْ بَلَغَ فَوْقَ شِرْكِ مَنْ قَالَ إِنَّهُتَعَالَى ثَانِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ؛ فَيَا عُلَمَاءَ الدِّينِ وَيَا مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ أَّيُّ رُزْءٍلِلإِسْلاَمِ أَشَدُّ مِنَ اْلكُفْرِ ، وَأَيُّ بَلاَءٍ لِهَذَا الدِّينِ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنَ عِبَادَةِ غَيرِ اللهِ ، وَأّيُّمُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ تَعْدِلُ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ ، وَأَيُّ مُنْكَرٍ يَجِبُ إِنْكَارُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِنكَارُهَذَا الشِّرْكِ اْلَبَيِّنِ وَاجِبًا :
لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا وَلَكِنْ لاَ حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي
وَلَوْ نَارًا نَفَخْتَ بِهَا أَضَاءَتْوَلَكِنْ أَنْتَ تَنْفُخُ فِي رَمَادِ))
اهـ[ نيلُ الأوطار ج 2 ص 771 . 772ط / دار الَكلِم الطّيب]
- قُلْتُ : إنّ مِمّا تَجْدُرُ الإِشَارَةُ إِلَيهِ في هَذِه الْعُجَالَةِ هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِي كتابِ مُؤَرِّخِ الإسْلامِ بِدُونِ مُنَازِعٍ وَالْمُحَدِّثِ الْجِهْبِذِ وخَاتِمةِ الْحُفَّاظِ الإمامِ شَمسِ الدِّين محمّدِ بن أحمدِ بنِ عُثْمان الذَّهَبِي المتوفَّى سنة 748 هـ - عليه رحمةُ اللهِ- (( سيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاءِ ))وهوَ كتَابٌ قَدْ سَارَ مَسِيرَ الشّمْسِ وَالقَمَرِ ولاَ يَسْتَغْنِي عَنهُ العُلَماءُ فَضْلاً عنِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ ، ولَكنْ للأسَفِ الشَّدِيدِ فيهِ الشَّيْءُ الْكَثيرُ مِنْ الكَلِمَاتِ الّتِي تُؤَيِّدُ الْقُبُوريةَ وتُبَارِكُها ، وحَتَّى لاَ يَغْضَبَ عَلَيْنَا المُتَعَصِّبُون للْرِّجَالِ أقولُ لهُم لقَدْ رَدَّ عَلى الإمامِ الذَّهبي كثيرٌ من العُلماءِ والدُّعاةِ فِي هذِه الْمسألةِ الْخَطيرة ..ولَعَلَّهُ منَ الخَيْرِ أن أقُولَ لهُم عليكمْ بِكِتَابِ " عقيدة الإمام الذَّهبي " للشّيخ سُلَيمانَ بن صالح الخَرَاشِي ، فَفيه مايَردُّ تَعَصُّبَهَم إنْ شَاءَ اللهُ ..فَإنْ أبَوْا فها أنذَا أسُوقُ لهُم بَعْضَ الأمْثِلة فِي هَذِه العُجَالةِ وليرجِع إلى الكِتاب (( سيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاءِ ))إن كان من طَلَبَةِ العِلْمِ حقّاً لِيَقِفَ بِنَفْسِهِ عَلَى ما حَرَّرْناهُ ، ((وَهَذَا وَاضِحٌ لاَيُلْتَبَسُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى نَظَرٍ فِي الْعِلْمِ ، وَلَكِنّ المُتَعَصّبَ أعْمَى )) كما يقولُ الشوكاني فِي نيل الأوطار ج 2 ص 122
وفَّقَ اللهُ الجَميعَ ....
قَالَ الإمامُ الذَهَبِي في تَرْجَمةِ أبي أيوب الأنْصَارِي رضي الله عنه ج 3 ص 200 : فَلَقَدْ بَلَغَنِي : أنَّ الرّومَ يَتَعَاهَدُونَ قَبْرَهُ ، ويَرُمُّونَهُ ، وَيَسْتَسْقُونَ بهِ . و ص 204 فَكَانُوا إِذَا قَحَطُوا ، كَشَفُوا عنْ قَبْرِهِ ، فَأمْطِرُوا .
وقَالَ في ترجمةِ أمِّ حَرَامٍ بنت ملحَان ج 3 ص 160 : وَبَلَغَنِي أنَّ قَبْرَهَا تَزُورُهُ الْفِرَنْجُ .
وقال فِي ترجمة خالدِ بن الوليد رضي الله عنه ج 2 ص 403 : وَمَشْهَدُهُ عَلَى بَابِ حِمصَ ، عَلَيْهِ جَلاَلَةٌ .
وقَالَ في ترجمةِ الْمَنْصُور بن زَاذان ج 4 ص 597 : قَبْرُهُ بِواسِط يُزارُ .
وقَالَ في ترجمةِ أبي مُسْلِم الْخَوْلاَنِي ج 4 ص 7 : وبِدَارِيّا قَبْرٌ يُزارُ ، يُقَالُ : إِنَّهُ قَبْرُ أَبِي مُسْلِم الْخَولاَنِي ، وذَلِكَ مُحْتَمَلٌ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ عبيدَةَ السّلْمَانِي وياليْتَهُ لمْ يَقُلهُ ج 4 ص 22 : فإذَا فَاتَكَ الْحَجُّ ، وتَلَقَّيْتَ الْوَفْدَ ، فَالْتَزِمِ الْحَاجَّ ، وقَبِّلْ فَمَهُ ، وَقُلْ : فَمٌ مَسَّ بالتَّقْبِيلِ حجَراً قَبَّلَهُ خَلِيلِي صَلّى اللهُ عليه وسلَّم . وقَالَ قبل ذلك كلاماً أكثر من هذا أعرضتُ عنهُ لِطُوله فانظُرْهُ هناك نفس الصفْحة .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ أبي حَنِيفة ج 5 ص 229 : وعَلَيْهِ قُبَّةٌ عَظِيمَةٌ ، ومَشْهَدٌ فَاخِرٌ بِبَغْدَادَ . والله أعلم .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ إبراهيمَ بنِ أدهم ج 5 ص 451 : وَقَبْرُهُ يُزَارُ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ السّيّدة نَفِيسَة ج 7 ص 46 : وقيلَ : كَانَتْ مِنَ الصَّالِحاتِ الْعَوابِدِ ، والدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ عنْدَ قَبْرِهَا ، بلْ وَعِنْدَ قُبُورِ الأنْبِياء والصَّالِحينَ ...
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ أبي بكر أحمد بنِ لاَلٍ ج 10 ص 350 : والدُّعَاءُ عِنْدَ قَبْرِهِ مُسْتَجَابٌ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ ابنِ وكيعٍ ج 10 ص 344 : وَبَنَوا عَلَى قَبْرِهِ قُبَّةً .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ ابنِ تُرْكان ج 10 ص 370 : وَقَبْرُهُ يُزَارُ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ ابن فُوَرَك ج 10 ص 419 : قَالَ عبدُ الغافِرُ في سياقِ التّاريخ : الاستّاذُ أبوبَكْرٍ قَبْرُهُ بالحيرَةِ يُسْتَسْقَى بِهِ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ أبي إسْحَاق الإسْفَرَايينِي ج 10 ص 491 : نُقِلَ تَابُوتُهُ إِلَى إسْفرايين ، ودُفِنَ هُنَاكَ بِمَشْهَدِهِ ...وَحَكَى أبو الْقَاسِم الْقُشَيْرِي عَنْهُ أنّهُ كَانَ يُنْكِرُ كَرَاماتِ الأولياء ولا يُجَوِّزُهَا ، وهَذِه زَلَّةٌ كَبيرَةٌ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ الخَطيب البَغْدَادي ج 11 ص 143 : وَخُتِمَ عَلَى قَبْرِهِ عِدَّةُ خَتَمَاتٍ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ ابنِ زيرَكَ ج 11 ص 220 : وَقَبْرُهُ يُزارُ ، ويُتَبَرَّكُ بهِ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ قَسيم الدّولة ج 11 ص 393 : نقَلَهُ ولَدُهُ الأتابك زَنْكِي ، وأنْشَأ عَلَيْهِ قُبّةً .
وَقَالَ فِي تَرْجَمةِ الْعِجْلِي ج 12 ص 52 : وذَكَرَ ابنُ النَّجّار : أنَّ قَبْرَهُ يُقْصَدُ بِالزِّيَارَةِ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْكَامِل ج 13 ص 69 : قال المُنذِري : ... ودُفِنَ فِي تَابوت قُلتُ : ثُمَّ بَعْدَ سَنَتَيْنِ عُمِلَت لهُ التُّربة، وَفُتِحَ شُبَّاكُها إلَى الْجَامِعِ .
وأكتفِي بهذَا القَدر فَفِيه الْكِفَاية لمن أرادَ الْهِداية والله المُسْتَعانُ .
تنبيه : الطبْعةُ التِي اعتَمَدْتُ عَلَيْها مكتبة الصّفا بمصر في سبَعةَ عشر مُجَلّداً .
(( وأَناَ ، فَقَدْ اعْتَرَفْتُ بِقُصُورِي فِيما اعْتَمَدْتُ عنِ الْغَايةِ ، وتَقْصِيرِي عَنْ الانتِهَاءِ إلَى النِّهاية ، فَأسْألُ النّاظِرَ فِيهِ ألاَّ يَعْتَمِدَ العَنتَ ، ولا يقْصِدَ قَصْدَ منْ إذَا رَأَى حَسَناً سَتَرَهُ ، وعَيْباً أظْهَرَهُ ، وليَتَأمّلْهُ بِعَينِ الإنْصَافِ ، لاَ الاِنْحِرَافِ ، فَمَنْ طَلَبَ عَيْباً وَجدَّ وَجَدَ ، وَمَنْ افْتَقَدَ زَللَ أَخِيهِ بِعَيْنِ الرِّضَا فقدْ فَقَدَ ، فَرَحِمَ اللهُ امْرأً قَهَرَ هَوَاهُ ، وأطَاعَ الإنْصَافَ ونَوَاهُ ، وعَذَرَنَا فِي خَطَإٍ إنْ كَانَ منَّا ، وزَلَلٍ إنْ صَدَرَ عَنّا ، فَالْكَمَالُ مُحَالٌ لِغَيْرِ ذِي الْجَلالِ ، فالمرءُ غيرُ معْصُومٍ ، والنِّسْيَانُ غَيْرُ معْدومٍ )) . كما يقولُ ياقوتُ بن عبد الله الحموي في مقدِّمة كتابه المِعطار ((معجمُ الأدباء ج 1 ص 34 )) .
أَسْألُ اللهَ الْعَظِيمَ أنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصاً لِوَجْهِهِ الْكَريم ، ومُوجِباً للْفَوزِ بجَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَ صَلَّى اللهُ عَلَى سَيّدِنا محَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ والتَّابِعِين .
[size=21] وكتَبَ ربيع الأديبُ
وفَرْغَتُ من تَسْويدِه يوم 16 شَعبان 1431 الموافق 28 يوليوز 2010
[ حُقُوقُ طَبعِ هَذَا الْمقَال غيرُ مَحفوظَة لأحَدٍ وَيُسْمَحُ لِكُلِّ أَحَدٍ طِبَاعَتُه وَتَرْجَمَتُه وَنَشْرُهُ بِالْمَجّانِ إِغَاظَةً لأَرْبَابِ القِبَابِ وَأَسَاطِين الشِّرك وَالْوَثَنيَةِ ، وَكَذَلِكَ الإِتِّجَارُ بِهِ دُونَ مُرَاجَعَةِ كَاتِبَهِ ، بشَرط عَدَم تحريف أي شَيء من مُحتواه ]
بِقَلم / ربيع الأديب
الْحَمدُ للهِ الّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلمْ يَكُنْ لَهُ شَريكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَمَا كَانَ مَعَهُ منْ إلَهٍ ، الّذِي لاَ إلَهَ إلاّ هوَ ولاَ خَالِقَ غَيرُهُ ولاَ ربَّ سِواهُ ، المُسْتَحِقُّ لِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْعِبَادَةِ وَلِذَا قَضَى أنْ لاَ نَعْبُدَ إلاَّ إيّاهُ ، ذَلِكَ بأنَّ اللهَ هوَ الْحقُّ وَأنَّ مَايَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأنَّ اللهَ هو العَليُّ الْكَبيرُ ....وأشْهدُ أنَّ سيِّدَنَا ونبينا مُحَمَّداً عبدُهُ ورسُولهُ صَلّى اللهُ عليه وآلِهِ وسَلّمَ ...
وَبَعْدُ :
فَمِنَ الْفَسَادِ الّذِي عَمَّ وطَمَّ فِي هَذِه اْلآونةِ الأخيرةِ وازْدَادَ انْتِشَاراً مَا يُسَمَّى بعِبَادَةِ الْقُبُورِ أو بِعُبَّادِ الْقُبُورِ ، فِمن بَعدِ ما كَادَتْ أنْ تُدْفَنَ هَذِهِ الْعَقِيدةُ ويُوَارَى عَلَيْهَا التُّرابُ ، أََخَذَتْ تُطِلُّ بِرَأْسِهَا مِن جَدِيدٍ وَبَلَغَتْ منَ الإنْتِشَارِ بيْنَ النَّاسِ مَبْلَغاً عَظِيماً ، فَأخَذَ يَنْتَشِرُ بَيْنَ النَّاسِ أنَّ الْقُبُورَ الّتِي تُدْفَنُ فِيهَا جُثَثٌ لاَ حَرَكَةَ لَهَا تَنْفَعُ وتَضُرُّ وأخَذَت تِلْكَ الْخُرافَةُ ترْتَفِعُ إلَى الذِّرْوةِ ...حِينَمَا يَعْمَدُ الْمُتَخَصِّصُونَ الْمُشْرِكونَ فِيهَا إِلَى تَقْسِيمِ تَخَصُّصَاتِ الْمَشَايخِ وَالأَضْرِحةِ ...فَضَريحُ السّيِّدةِ فُلانة يُزَارُ لِزَواجِ الْعَوانِسِ ، والشّيْخُ فُلان يُزارُ ضَريحُهُ في مسَائِلِ الرِّزْقِ ، والْقَادِرةُ الشّاطِرةُ صَاحبَةُ الضّريحِ الْفُلاني يُحَجُّ إلَيها فِي مَشَاكِلِ الْحُبِّ ، والهَجْرِ ، وَالْفِراقِ ، والطّلاقِ ...وَهَكَذَا مُؤَامَرَةٌ مُحْكَمَةُ الْحَلَقَاتِ تُلِفُّ خُيُوطَهَا حَوْلَ السّذّجِ والْمَسَاكينِ ، وكأنَّهم لَمْ يَقْرَأوا فِي الْقُرْآنِ قولَ الله تَعَالى : " وإنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لهُ إلاَّ هوَ وإنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٍ " [ المائدة : 17 ] ، ومِنَ العَجَبِ أنَّ الانْصيَاعَ إلَى الخُرَافاتِ لَيْسَ وَقْفاً علَى عَامّةِ النّاسِ أَو جَهَلَتِهم ..بلْ منَ الْمُؤْسِفِ أَنَّهَا تتَمَتَّعُ بِسُلْطَانٍ كَبيرٍ بينَ الْمُتَعَلِّمينَ [ وهم جهّالٌ في حقيقةِ الأمرِ لأنهم يعلمون ظاهراً من الحياة الدّنيا فقطْ ] ، والذِينَ دَرَسُوا فِي أرقَى الجَامِعاتِ ...وَهَكَذَا تَتَسَلَّلُ هَذِه الْعَقَائِدُ الْفَاسِدَةُ إِلَى ضَمَائِرِ النَّاسِ الّذِينَ لاَ تَحْمِيهمْ عقيدةٌ سَلِيمةٌ تَصُدُّ عَنْهُم هَذِه الشِّرْكياتِ الشَّرِسَةَ الضَّاريةَ ... [ مقدمة كنتُ قُبوريا ص 4 . 5 بِتصرّف يسير ]
جَاءَ الإِسْلامُ بِعَقِيدَةِ التَّوْحِيدِ لِيَرْفَعَ نُفُوسَ الْمُسْلِمِينَ ويغْرسَ فِي قُلُوبِهمْ الشَّرَفَ والْعِزَّةَ والأنَفةَ والْحَمِيَّةَ ، وليعْتِقَ رِقَابَهُمْ منْ رِقِّ الْعُبُوديةِ ، فَلاَ يذِلُّ صَغِيرُهُمْ لِكَبِيرِهِمْ ، ولاَ يَهَابُ ضَعِيفُهُمْ قَويَّهُم ، وَلاَ يَكُونُ لِذِي سُلْطَانٍ بَيْنَهُم سُلْطَانٌ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَالْعَدلِ ، وَقَدْ تَرَكَ الإِسْلامُ بِفَضْلِ عَقِيدةِ التَّوْحِيدِ ذَلِكَ الأَثَرَ الصّالِحَ فِي نُفُوسِ الْمُسْلِمينَ فِي الْعُصُورِ الأولَى ، فَكَانُوا ذَوي أنَفَةٍ وعِزَّةٍ وإِبَاءٍ وَغَيْرَةٍ ، يَضْرِبُونَ عَلَى يَدِ الظّالِمِ إِذَا ظَلَمَ وَيَقُولُونَ للْسُّلْطَانِ إذَا جَاوَزَ حَدَّهُ : قِفْ مَكَانَكَ ولاَ تَغْلُ فِي تَقْدِيرِ مِقْدَارِ نَفْسِكَ ، فَإِنَّمَا أنتَ عَبْدٌ مخْلُوقٌ لاَ ربٌّ مَعْبُودٌ ، واعْلَمْ أنّهُ لاَ إلَهَ إلاّ الله .
هَذِهِ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ نُفُوسِ الْمُسْلِمينَ في عَصْرِ التّوحِيدِ ، أمَّا الْيَوْمَ وَقدْ دَاخَلَ عَقِيدَتَهُمْ مَا دَاخَلَهَا مِنَ الشِّرْكِ الْبَاطِنِ تَارَةً والظَّاهِرِ أُخْرَى ، فَقَدْ ذَلَّتْ رِقَابُهُم وَخَفَقَتْ رؤُوسُهمْ وَضَرَعتْ نُفُوسُهُم وَفَتَرَتْ حَمِيَّتُهُمْ ، فَرضُوا بِخُطَّةِ الْخَسْفِ ، واسْتَنَامُوا إِلَى الْمَنْزِلةِ الدُّنْيَا فَوَجَدَ أَعْدَاؤُهُم السَّبِيلَ إِلَيْهم ، فَغَلَبُوهُم عَلَى أَمْرِهِم ، ومَلَكُوا عَلَيْهِم نُفُوسَهم وأمْوَالَهُم ومَوَاطِنَهُم ودِيَارَهُم ، فَأصْبَحُوا منَ الْخَاسِرِينَ .
واللهِ لَنْ يَسْتَرْجِعَ الْمُسْلِمُونَ سَالِفَ مَجْدِهِم ، ولَنْ يَبْلُغُوا مَا يُرِيدُونَ لأنْفُسِهم منْ سَعَادَةِ الْحَيَاةِ وَهَنَاءَتِهَا ، إلاَّ إذَا اسْتَرْجَعُوا قَبْلَ ذَلِكَ مَا أضَاعُوه منْ عَقِيدَةِ التّوْحِيدِ ، وَإنّ طُلُوعَ الشَّمْسِ منْ مَغْرِبِهَا وانْصِبابَ ماءِ النَّهْرِ فِي مَنْبَعِهِ أقْرَبُ مِنْ رُجُوعِ الإسْلامِ إِلَى سَالِفِ مَجْدَهِ ، مَادَامَ الْمُسْلِمُونَ [ زَعَمُوا ] يَقِفُونَ بينَ يَدَي الْجِيلاَنِي وَالْبَدَوِي والدَّسُوقِي والرِّفاعِي كَمَا يَقِفُونَ بينَ يَدي اللهِ .
إِنَّ اللهَ أَغْيَرُ عَلَى نَفْسِهِ منْ أنْ يُسْعِدَ أَقْوَاماً يَزْدَرُونَهُ ويَحْتَقِرُونَهُ وَيَتَّخِذُونَهُ وَرَاءَهم ظِهْرياً ، فَإذَا نَزَلَتْ بِهِم حَائِجَةٌ أوْ أَلَمَّتْ بهم مُلِمّةٌ ذَكَرُوا الْحَجَرَ قَبْلَ أنْ يَذْكُرُوهُ ، وَنَادَوْا الجِذْعَ قَبْلَ أنْ يُنَادُوه .
فأَِيُّ عَيْنٍ يَجْمُلُ بِهَا أَنْ تَسْتَبْقِيَ فِي مَحَاجِرِهَا قَطْرَةً واحِدةً مِنَ الدّمعِ ، فَلاَ تُرِيقُهَا أَمَامَ هَذَا الْمَنْظَرِ المُؤَثِّرِ الْمُحْزِنِ ، مَنْظَرِ أولَئِكَ الْمُسْلِمينَ [ زَعَمُوا ] وهُمْ رُكَّعٌ سُجَّدٌ عَلَى أعْتَابِ قَبْرٍ رُبَّمَا كَانَ بَيْنَهُم منْ هُوَ خَيْرٌ منْ سَاكِنِهِ فِي حَياتِهِ ، فَأحْرَى أنْ يَكُونَ كَذَلِكَ بَعْدَ مَمَاتِهِ !!! . أيُّ قَلْبٍ يَسْتَطِيعُ أنْ يَسْتَقِرَّ بَيْنَ جَنْبَيْ صَاحِبِهِ سَاعَةً وَاحِدَةً فَلاَ يَطِيرُ جَزَعاً حِينَمَا يَرَى الْمُسْلِمين [ زعَمُوا ] أصْحَابَ دِينِ التَّوْحِيدِ أكْثَرَ الْمُشْرِكِينَ إِشْرَاكاً بِاللهِ ، وأَوسَعَهم دَائِرةً فِي تَعَدّدِ الآلِهَةِ وكَثْرَةِ الْمَعْبُوداتِ .[كما يقولُ المنفلوطي في نظراته ج 2 ص 63 فما بعدها] وَعمَّ هَذَا الدّاءُ الْوَبِيلُ سَائِرَ الأَقْطارِ الإسْلاَميةِ ، وَلَمْ يَسْلَمْ منهُ إلاَّ الْقَلِيلُ منَ عِبَادِ الله الصَّالحينَ والْعُلَمَاءِ الْعَامِلينَ الذِين عَرَفُوا التَّوحِيدَ الّذي جَاءَ بِهِ الأنبياءُ والْمُرْسَلُونَ ....
وَ هَذَا الشِّرْكُ الْقَبيحُ والْكفْرُ الشَّنِيعُ ((شِرْكُ الْقُبُورِ)) لَمْ يَكُنْ في خَيْرِ الْقُرُونِ مِنْ سَلَفِ هَذِهِ الأُمَّةِ ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ تَقْدِيسَ الْقُبُورِ وَزِيَارةَ الْمَشَاهِدِ تَقْلِيدٌ شِيعِيٌّ رَافِضِيٌّ فِي نَشْأَتِهِ ، فَالشِّيعَةُ الرَّوَافِضُ - أخْزَاهُم اللهُ - هُمْ أوَّلُ مَنْ بَنَى الْمَشَاهِدَ والقِبَابَ عَلَى الْقُبُورِ قُبُورِ أوْلِيَاءِهمْ الطَّوَاغِيت ، حَيثُ تَتَبَّعُوا أَوْ زَعَمُوا تَحَرِّي قُبُور مَنْ مَاتَ قَدِيماً مِمّنْ يُعَظِّمُونَهُم مِنْ آلِ الرَّفْضِ وَمِنْ آلِ الصّفَويينَ أحْفَادِ ابنِ الْعَلْقَمِي - قبَّحَهُ اللهُ - ، لاَ آل الْبيتِ بيت النّبُوةِ كما يزْعُمُونَ ويَدّعُونَ ، فآلُ بيت رسُولِ الله صلى الله عليه وسلّمَ بَراءتُهُم من الرَّوافِضِ كبَراءَةِ ماءِ المُزنِ من شَوائِبِ الأَرْضِ كما لا يَخفَى علَى مُوحِّدٍ ذاقَ حلاَوةَ التّوحِيدِ ....ثُمَّ جَاءَتِ الصُّوفِيةُ الْخُرَافيةُ فَنَسَجُوا عَلَى هَذَا الْمِنْوَالِ فَجَعَلُوا أهَمَّ مَشَاعِرهِم هُوَ زِيَارَةُ القُبُورِ وَبِنَاءُ الأَضْرِحةِ عَلَيْهَا والتّبَرُّكُ بأعْتَابِهَا وأحْجَارِهَا والتّمَسّحُ بِسَتَائِرِهَا والإسْتِغَاثَةُ بِأصْحَابِها الأمواتِ وَطَلَبُ الْمَدَدِ مِنْهُم والطّوافُ بِهَا كَمَا يُطَافُ بالكَعْبَةِ الْمُشَرَّفَةِ-شَرَّفَهَا اللهً-، وشّدُّ الرِّحَالِ إلَيْهَا ، قَالَ الأميرُ محمّدُ بنُ إسماعيل الصّنعَاني ((رحمه الله)) :
وَقَدْ هَتَفُوا عِنْدَ الشَّدَئِدِ بِاسْمِهَا كَمَا يَهْتِفُ الْمُضْطَرُّ بالصَّمَدِ الْفَرْدِ
وَكَمْ طَائِفٍ حَولَ القُبُورِ مُقَبِّلٌ وَمُسْتَلِمُ الأرْكَـانِ مِنْهُنَّ بِالأيْدِي
وأَمّا وقفُ الأمْوَالِ الطَّائِلَةِ عليْهَا حتّى أَنَّهُ قَدْ تَجْتَمِعُ فِي خَزَائِنِ بعضِ المَقْبُورينَ أمْوَالٌ تُعَدُّ بالْمَلاَيين فَحدِّث ولاَ حرَجِ .واللهُ الْمُسْتَعَانُ . ورَحِمَ اللهُ شَاعِرَ النِّيلِ حَافِظَ إبراهيم حيثُ يقُولُ كما في ((الدّيوان ص 96)) :
أحْيــَاؤُنَا لاَ يُـرْزَقُونَ بِدِرْهَـمٍ وبألْفِ ألْفٍ تُرْزَقُ الأَمْـواتُ
مَنْ لِـي بِحَـظِّ النَّائِمـينَ بِحُفْرَةٍ قَامَتْ عَلَى أعْتَابِهَا الصَّلَواتُ
يَسْعَى الأنَامُ لَهَا ويَجْرِي حَولَــهَا بَحْــرُ النُّذُورِ وتُقْرَأُ الآياتُ
وَيُقَالُ : هَذَاالقُطْبُ بَابُ الْمُصْطَفَى ووَسِيلَةٌ تُقْضَى بِهَا الْحَاجَاتُ
يَقُولُ شَيْخُ الإسْلام أَحْمَدُ بنُ عبدِ الحليم بنِ تيميةَ ((عليه رحمة الله )) : وَلَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وتَابِعِيهم مِنْ ذَلِكَ شَيءٌ فِي بِلاَدِ الإسْلامِ ، لاَ فِي الْحِجَازِ ، ولاَ فِي الْيَمَنِ ، ولاَ الشَّامِ ، ولاَ العِرَاقِ ، ولا مِصْرَ ، ولاَ خُرَسَانَ ، وَلاَ الْمَغْرِبِ ، ، ولَمْ يَكُنْ قَدْ أُحْدِثَ مَشْهَدٌ ، لاَ عَلَى قَبْرِ نَبِيٍّ وَلاَ صَاحِبٍ ، وَلاَ أَحَدٍ مِنْ اهْلِ الْبَيْتِ ، ولاَ صَالحٍ أصْلاً ، بَلْ عَامّةُ هَذِهِ الْمَشَاهِدِ مُحْدَثَةٌ بَعْدَ ذَلِكَ ، وَكَانَ ظُهُورُهَا وَانْتِشَارُهَا حِينَ ضَعُفَتْ خِلاَفَةُ بَنِي الْعَبَّاسِ ، وَتَفَرَّقَتِ الأمَّةُ وَكَثُرَ فِيهم الزَّنَادِقَةُ الْمُلَبِّسُونَ عَلَى الْمُسْلِمينَ ، وَفَشَتْ فِيهم كَلِمَةُ أَهْلِ الْبِدَعِ ، ذَلِكَ مِنْ دَوْلَةِ الْمُقْتَدِرِ فِي أَوَخِرِ الْمائَةِ الثَّالِثَةِ ، فَإنَّهُ إذْ ذَاكَ ظَهَرَتِ الْقَرَامِطَةُ الْعُبَيْدِيةُ الْقَدَّاحِيةُ فِي أَرْضِ الْمَغْرِبِ ، ثُمَّ جَاؤُوا بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى أَرْضِ مِصْرَ . اهـ (مَجمُوعُ الفتَاوى ج 27 / ص 466 ) .
قُلتُ : ثُمَّ جَاءَت زَنَادِقَةُ زَمَانِنا لِيَقُولُوا للسّذّجِ مِنَ النَّاسِ والبُسَطَاء منْ أهْلِ القِبْلَةِ إِنَّ تَصَوُّفََنا تَصَوُّفٌ سُنِّي ومنْ تَمَّ فَلاَ حَرَجَ عَلَى من تقدَّمَ بالشّعَائِرِ التَّعَبُّديةِ للقَبْرِ ولِصَاحِبِ الْقَبْرِ مِنْ ذَبْحٍ ونَذْرٍ ودُعَاءٍ واستِعَانَةٍ واسْتِغَاثَةٍ وغيْرِ ذَلِكَ منَ الأفعَالِ والأقْوالِ التي إذا فَعَلَهَا الْمُسْلمُ خرجَ منْ دِينِ الإسْلام مالم يكن حَديثَ عَهْدٍ بِإسْلامٍ أوْ نَشَأَ في بَادِيةٍ بعيدةٍ عن ديار الإسلام كما قَرّرَ ذَلِكَ عُلَماءُ هذَا الشّأنِ ...وَقدْ هَيَّؤُوا لِذَلكَ عُلَمَاءَ سُوءٍ ودُعَاةَ ضَلاَلَةٍ وشُيُوخَ بِدَعٍ بلْ قدْ أصبحَ دُعاةُ جَهَنّمٍ يُعْلِنُونَ ذَلِكَ عبْرَ إعْلاَمِهم النَّجِسِ وَمنَ خلاَلِ خضراء الدّمن الجرائِد والمجَلاّت – لعنَ اللهُ أصحَابَها – وكذَلِكَ فِي أفْلاَمِهم الخَبيثَةِ ، حتّى أصْبَحتْ هذِه الفَواقِرُ عندَ كثِيرٍ من ضِعَافِ الإيمان عَاديةً ولاَ حَولَ ولاَ قُوةَ إلاّ باللهِ . يقُولُ الشّيخُ الإمامُ سيدُ قُطب - رحمهُ الله - : فَلَيْسَ عَبْداً للهِ وحدَهُ منْ لاَيَعْتَقِدُ بِوَحْدانيةِ اللهِ سُبْحَانَهُ ...ليْسَ عَبْداً للهِ وحدَهُ منْ يَتَقَدَّمُ بِالشَّعَائِرِ التّعبّديةِ لأحَدٍ غير الله - معهُ أو منْ دُونِهِ – : " قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي ومَحْياي ومماتِي للهِ ربِّ العَالَمين ، لاَ شَريكَ لهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وأنَا أولُ الْمُسْلِمين " [ الأنعام : 162 . 163 ] اهـ (( معالم في الطريق ص 94 )) .
قُلتُ : فإنَّ سَببَ هَذَا الشِّركِ الشَّنِيعِ والْكُفْرِ الفَظِيعِ هُوَ الْجَهْلُ بِاللهِ وَبِمَا جَاءَ بهِ رسُولُهُ -صلّى اللهُ عَليْه وسلّمَ- والإِعْراضُ عنِ العِلْمِ والْعُلَماء وَالتّصدِّي لهُمْ ورميُهُم بالعظَائِم كوهّابيين وتكفيريينَ وإرْهَابيينَ وَ أصُوليينَ لِتَنْفِير النّاسِ منْ دعوتِهم التِي تضُرُّ أَصْحَابَ الطُّرقِ الْمُغْرِضِين ومَشَايخ السّوء الحِزبيين الْمَقْبُوحِينَ الذين تُؤْذِيهم هذهِ الدّعوةُ دَعْوةُ التَّوْحِيدِ إِذَا مَا انْتَصَرَتْ وحَقَّقَتْ أهدَافَهَا ، فَتَنْقَطِعُ بِذَلِكَ مَوارِدُ رِزْقِهم ، وَتَنْتَهِي بذِلِكَ زعَامَاتهم ورِيَاسَاتهم ، ويَنْكَشِفُ دَجَلُهم وزيْفُ دعْوتِهم .
قَالَ الإمَامُ ابنُ الْقَيِّمِ -رحمهُ الله- : وَغَلَبَ الشِّرْكُ عَلَى أَكْثَرِ النُّفُوسِ لِظُهُورِ الْجَهْلِ وخَفَاءِ الْعِلْمِ ، فَصَارَ الْمَعْرُوفُ مُنْكَراً وَالْمُنْكَرُ مَعْرُوفاً ، والسُّنَّةُ بِدْعَةً ، والبِدْعَةٌ سُنَّةً ، وَنَشَأَ فِي ذَلِكَ الصَّغِيرُ وهَرمَ عَلَيْهِ الْكَبِيرُ وطُمِسَتِ الأعْلاَمُ ، واشْتَدَّتْ غُرْبَةُ الإسْلامِ ، وَقَلَّ الْعُلَمَاءُ ، وغَلَبَ السُّفَهَاءُ ، وتَفَاقَمَ الأمْرُ واشْتَدَّ الْبَاْسُ ، وظَهَرَ الْفَسَادُ فِي البَرِّ والبَحْرِ بِما كَسَبَتْ أيْدِي النّاسِ ، ولكن لا تزَالُ طَائِفةٌ منَ العِصَابةِ الْمُحَمَّديةِ بالْحَقِّ قَائِمينَ ، ولأهْلِ الشِّركِ والبدَعِ مُجَاهِدينَ إلَى أنْ يَرِثَ اللهُ تَعَالَى الأرضَ ومنْ عَلَيْها وهوَ خيرُ الْوَارِثِين . اهـ [زاد المعاد ج 3 ص 461 ]
إِنَّ هَذَا الْوَاقِعَ الألِيمَ لَيْسَ شَرّاً مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ وَاقِعُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهليةِ ، حِينَ بُعِثَ إلَيْهم نَبِيُّنَا مُحَمَدٌ صَلّى اللهُ عليه وسلّمَ ، لِوُجُودِ الرِّسَالَةِ بَيْنَنَا وَكَمَالِهَا ، ووُجُودِ الطّائِفَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى الْحَقِّ ، والتِي تَهْدِي بِهِ ، وتَدْعُوا النَّاسَ للإسْلامِ الصَّحيحِ ، عَقِيدَةً ، وعِبَادَةً ، وسُلُوكاً ، ومنهجاً ، ولاَشكَّ بِأنَّ وَاقِعَ أولَئِكَ الْعَرَبُ فِي عصرِ الجَاهليةِ مُمَاثِلٌ لِمَا عَلَيْهِ كَثِيرٌ منْ طَوَائِفِ الْمُسْلِمِين الْيَوْمَ ، بِناءً عَلَى ذَلِكَ نَقُولُ ، العِلاجُ هُو ذَلِكَ الْعِلاجُ ، والدَّواءُ هوَ ذَلِكَ الدَّواء ، فَبِمِثْلِ ما عالجَ النبي صَلّى اللهُ عليه وسلّمَ تِلْكَ الْجَاهِلية الأولَى ، فعلى الدّعاةِ الإسْلاَميينَ اليوْمَ جَميعهم أنْ يُعَالِجُوا سُوءَ فَهمِ " لا إلهَ إلاَّ الله "....كَما يقولُ المُحَدِّثُ الألباني ((رحمه الله)) في رسالة [التوحيد أولاً يَا دُعَاة الإسلام ص 7 . 8 ] .
قُلْتُ : فَالْوَاجِبُ عَلَى عُلَمَاءِ الْمُسْلِمينَ أن يُنْكِرُوا هَذَا الشِّركَ السَّمِجَ الْخَبيثَ ويبيِّنُوهُ للنَّاسِ ، والْوَاجِب عَلى كُلِّ طَالِبِ عِلمٍ كبُرَ أم صَغُر أن يَصْدعَ بالْحقِّ مهما كلّفهُ الثَّمن ويَجِبُ علَى منْ لهُ سُلْطَةٌ فِي البلادِ أن يُطَهِّرَ بيوتَ اللهِ من الأوثَان والعِظَام النّخِرة القَابِعَة في سَاحَتِها ...وللهِ درُّ الإمام الشّوكاني حيثُ يَقُولُ : (( وَكَمْ قَدْ سَرَى عَنْ تَشْييدِ أَبْنِيَةِ الْقُبُورِ وَتَحْسِينِهَا مِنْ مَفَاسِدَ يَبْكِي لَهَا الإِسْلاَمُ ،مِنْهَا اعْتِقَادُ الْجَهَلَةِ لَهَا كَاعْتِقَادِ الْكُفَّارِ لِلأَصْنَامِ ، وَعَظُمَ ذَلِكَ فَظَنُّوا أَنَّهَا قَادِرَةٌ عَلَىجَلْبِ النَّفْعِ وَدَفْعِ الضَّرَرِ، فَجَعَلُوهَا مَقْصِدًا لِطَلَبِ قَضَاءِ الْحَوَائِجِ وَمَلْجَأً لِنَجاَحِ الْمَطَالِبِ ،وَسَأَلُوا مِنْهَا مَا يَسْأَلُهُ اْلعِبَادُ مِنْ رَبِّهِمْ ، وَشَدُّوا إِلَيْهَا الرِّحَالَ ، وَتَمَسَّحُوا بِهَا وَاسْتَغَاثُوا، وَبِالْجُمْلَةِ إِنَّهُمْ لَمْ يَدَعُوا شَيْئًا مِمَّا كَانَتْ الْجَاهِلِيَةُ تَفْعَلُهُ بِالأَصْنَامِ إِلاَّ فَعَلُوهُ ،فَإِنَّا لله وإنَّا إليهِ راجعونَ .وَمَعَ هَذَا الْمُنْكَرِ الشَّنِيعِ ،وَاْلكُفْرِ اْلفَظِيعِ ، لاَ نَجِدُ مَنْ يَغْضَبُ للهِ وَيَغَاُر حَمِيَّةً لِلْدِّينِ الْحَنِيفِ ، لاَ عَالِمًا ، وَلاَ مُتَعَلِّمًا، وَلاَ أَمِيرًا ، وَلاَ وَزِيرًا ، وَلاَ مَلِكاً ، وَقَدْ تَوَارَدَ إِلَيْنَا مِنَالأَخْبَاِر مَا لاَ يُشَكُّ مَعَهُ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلاَءِ الْقُبُورِيِّينَ أو أكثَرَهم ، إِذَا تَوَجَّهْتَ عَلَيْهِبِيَمِينٍ مِنْ جِهَةِ خَصْمِهِ حَلَفَ بِاللهِ فَاجِرًا ، فِإذاَ قِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ : احْلِفْ بِشَيْخِكَ وَمُعْتَقَدِكَ ،اْلوَلِيُّ اْلفُلاَنِي ، تَلَعْثَمَ وَتَلَكَّأَ وَأَبَى وَاعْتَرَفَ بِالْحَق ِّ. َوَهَذَا مِنْ أَبْيَنِ الأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى أَنَّ شِرْكَهُمْ قَدْ بَلَغَ فَوْقَ شِرْكِ مَنْ قَالَ إِنَّهُتَعَالَى ثَانِي اثْنَيْنِ أَوْ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ ؛ فَيَا عُلَمَاءَ الدِّينِ وَيَا مُلُوكَ الْمُسْلِمِينَ أَّيُّ رُزْءٍلِلإِسْلاَمِ أَشَدُّ مِنَ اْلكُفْرِ ، وَأَيُّ بَلاَءٍ لِهَذَا الدِّينِ أَضَرُّ عَلَيْهِ مِنَ عِبَادَةِ غَيرِ اللهِ ، وَأّيُّمُصِيبَةٍ يُصَابُ بِهَا الْمُسْلِمُونَ تَعْدِلُ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ ، وَأَيُّ مُنْكَرٍ يَجِبُ إِنْكَارُهُ إِنْ لَمْ يَكُنْ إِنكَارُهَذَا الشِّرْكِ اْلَبَيِّنِ وَاجِبًا :
لَقَدْ أَسْمَعْتَ لَوْ نَادَيْتَ حَيًّا وَلَكِنْ لاَ حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي
وَلَوْ نَارًا نَفَخْتَ بِهَا أَضَاءَتْوَلَكِنْ أَنْتَ تَنْفُخُ فِي رَمَادِ))
اهـ[ نيلُ الأوطار ج 2 ص 771 . 772ط / دار الَكلِم الطّيب]
- قُلْتُ : إنّ مِمّا تَجْدُرُ الإِشَارَةُ إِلَيهِ في هَذِه الْعُجَالَةِ هُوَ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِي كتابِ مُؤَرِّخِ الإسْلامِ بِدُونِ مُنَازِعٍ وَالْمُحَدِّثِ الْجِهْبِذِ وخَاتِمةِ الْحُفَّاظِ الإمامِ شَمسِ الدِّين محمّدِ بن أحمدِ بنِ عُثْمان الذَّهَبِي المتوفَّى سنة 748 هـ - عليه رحمةُ اللهِ- (( سيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاءِ ))وهوَ كتَابٌ قَدْ سَارَ مَسِيرَ الشّمْسِ وَالقَمَرِ ولاَ يَسْتَغْنِي عَنهُ العُلَماءُ فَضْلاً عنِ طَلَبَةِ الْعِلْمِ ، ولَكنْ للأسَفِ الشَّدِيدِ فيهِ الشَّيْءُ الْكَثيرُ مِنْ الكَلِمَاتِ الّتِي تُؤَيِّدُ الْقُبُوريةَ وتُبَارِكُها ، وحَتَّى لاَ يَغْضَبَ عَلَيْنَا المُتَعَصِّبُون للْرِّجَالِ أقولُ لهُم لقَدْ رَدَّ عَلى الإمامِ الذَّهبي كثيرٌ من العُلماءِ والدُّعاةِ فِي هذِه الْمسألةِ الْخَطيرة ..ولَعَلَّهُ منَ الخَيْرِ أن أقُولَ لهُم عليكمْ بِكِتَابِ " عقيدة الإمام الذَّهبي " للشّيخ سُلَيمانَ بن صالح الخَرَاشِي ، فَفيه مايَردُّ تَعَصُّبَهَم إنْ شَاءَ اللهُ ..فَإنْ أبَوْا فها أنذَا أسُوقُ لهُم بَعْضَ الأمْثِلة فِي هَذِه العُجَالةِ وليرجِع إلى الكِتاب (( سيَرُ أَعْلاَمِ النُّبَلاءِ ))إن كان من طَلَبَةِ العِلْمِ حقّاً لِيَقِفَ بِنَفْسِهِ عَلَى ما حَرَّرْناهُ ، ((وَهَذَا وَاضِحٌ لاَيُلْتَبَسُ عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى نَظَرٍ فِي الْعِلْمِ ، وَلَكِنّ المُتَعَصّبَ أعْمَى )) كما يقولُ الشوكاني فِي نيل الأوطار ج 2 ص 122
وفَّقَ اللهُ الجَميعَ ....
قَالَ الإمامُ الذَهَبِي في تَرْجَمةِ أبي أيوب الأنْصَارِي رضي الله عنه ج 3 ص 200 : فَلَقَدْ بَلَغَنِي : أنَّ الرّومَ يَتَعَاهَدُونَ قَبْرَهُ ، ويَرُمُّونَهُ ، وَيَسْتَسْقُونَ بهِ . و ص 204 فَكَانُوا إِذَا قَحَطُوا ، كَشَفُوا عنْ قَبْرِهِ ، فَأمْطِرُوا .
وقَالَ في ترجمةِ أمِّ حَرَامٍ بنت ملحَان ج 3 ص 160 : وَبَلَغَنِي أنَّ قَبْرَهَا تَزُورُهُ الْفِرَنْجُ .
وقال فِي ترجمة خالدِ بن الوليد رضي الله عنه ج 2 ص 403 : وَمَشْهَدُهُ عَلَى بَابِ حِمصَ ، عَلَيْهِ جَلاَلَةٌ .
وقَالَ في ترجمةِ الْمَنْصُور بن زَاذان ج 4 ص 597 : قَبْرُهُ بِواسِط يُزارُ .
وقَالَ في ترجمةِ أبي مُسْلِم الْخَوْلاَنِي ج 4 ص 7 : وبِدَارِيّا قَبْرٌ يُزارُ ، يُقَالُ : إِنَّهُ قَبْرُ أَبِي مُسْلِم الْخَولاَنِي ، وذَلِكَ مُحْتَمَلٌ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ عبيدَةَ السّلْمَانِي وياليْتَهُ لمْ يَقُلهُ ج 4 ص 22 : فإذَا فَاتَكَ الْحَجُّ ، وتَلَقَّيْتَ الْوَفْدَ ، فَالْتَزِمِ الْحَاجَّ ، وقَبِّلْ فَمَهُ ، وَقُلْ : فَمٌ مَسَّ بالتَّقْبِيلِ حجَراً قَبَّلَهُ خَلِيلِي صَلّى اللهُ عليه وسلَّم . وقَالَ قبل ذلك كلاماً أكثر من هذا أعرضتُ عنهُ لِطُوله فانظُرْهُ هناك نفس الصفْحة .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ أبي حَنِيفة ج 5 ص 229 : وعَلَيْهِ قُبَّةٌ عَظِيمَةٌ ، ومَشْهَدٌ فَاخِرٌ بِبَغْدَادَ . والله أعلم .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ إبراهيمَ بنِ أدهم ج 5 ص 451 : وَقَبْرُهُ يُزَارُ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ السّيّدة نَفِيسَة ج 7 ص 46 : وقيلَ : كَانَتْ مِنَ الصَّالِحاتِ الْعَوابِدِ ، والدُّعَاءُ مُسْتَجَابٌ عنْدَ قَبْرِهَا ، بلْ وَعِنْدَ قُبُورِ الأنْبِياء والصَّالِحينَ ...
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ أبي بكر أحمد بنِ لاَلٍ ج 10 ص 350 : والدُّعَاءُ عِنْدَ قَبْرِهِ مُسْتَجَابٌ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ ابنِ وكيعٍ ج 10 ص 344 : وَبَنَوا عَلَى قَبْرِهِ قُبَّةً .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ ابنِ تُرْكان ج 10 ص 370 : وَقَبْرُهُ يُزَارُ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ ابن فُوَرَك ج 10 ص 419 : قَالَ عبدُ الغافِرُ في سياقِ التّاريخ : الاستّاذُ أبوبَكْرٍ قَبْرُهُ بالحيرَةِ يُسْتَسْقَى بِهِ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ أبي إسْحَاق الإسْفَرَايينِي ج 10 ص 491 : نُقِلَ تَابُوتُهُ إِلَى إسْفرايين ، ودُفِنَ هُنَاكَ بِمَشْهَدِهِ ...وَحَكَى أبو الْقَاسِم الْقُشَيْرِي عَنْهُ أنّهُ كَانَ يُنْكِرُ كَرَاماتِ الأولياء ولا يُجَوِّزُهَا ، وهَذِه زَلَّةٌ كَبيرَةٌ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ الخَطيب البَغْدَادي ج 11 ص 143 : وَخُتِمَ عَلَى قَبْرِهِ عِدَّةُ خَتَمَاتٍ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ ابنِ زيرَكَ ج 11 ص 220 : وَقَبْرُهُ يُزارُ ، ويُتَبَرَّكُ بهِ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ قَسيم الدّولة ج 11 ص 393 : نقَلَهُ ولَدُهُ الأتابك زَنْكِي ، وأنْشَأ عَلَيْهِ قُبّةً .
وَقَالَ فِي تَرْجَمةِ الْعِجْلِي ج 12 ص 52 : وذَكَرَ ابنُ النَّجّار : أنَّ قَبْرَهُ يُقْصَدُ بِالزِّيَارَةِ .
وقَالَ فِي تَرْجَمَةِ الْكَامِل ج 13 ص 69 : قال المُنذِري : ... ودُفِنَ فِي تَابوت قُلتُ : ثُمَّ بَعْدَ سَنَتَيْنِ عُمِلَت لهُ التُّربة، وَفُتِحَ شُبَّاكُها إلَى الْجَامِعِ .
وأكتفِي بهذَا القَدر فَفِيه الْكِفَاية لمن أرادَ الْهِداية والله المُسْتَعانُ .
تنبيه : الطبْعةُ التِي اعتَمَدْتُ عَلَيْها مكتبة الصّفا بمصر في سبَعةَ عشر مُجَلّداً .
(( وأَناَ ، فَقَدْ اعْتَرَفْتُ بِقُصُورِي فِيما اعْتَمَدْتُ عنِ الْغَايةِ ، وتَقْصِيرِي عَنْ الانتِهَاءِ إلَى النِّهاية ، فَأسْألُ النّاظِرَ فِيهِ ألاَّ يَعْتَمِدَ العَنتَ ، ولا يقْصِدَ قَصْدَ منْ إذَا رَأَى حَسَناً سَتَرَهُ ، وعَيْباً أظْهَرَهُ ، وليَتَأمّلْهُ بِعَينِ الإنْصَافِ ، لاَ الاِنْحِرَافِ ، فَمَنْ طَلَبَ عَيْباً وَجدَّ وَجَدَ ، وَمَنْ افْتَقَدَ زَللَ أَخِيهِ بِعَيْنِ الرِّضَا فقدْ فَقَدَ ، فَرَحِمَ اللهُ امْرأً قَهَرَ هَوَاهُ ، وأطَاعَ الإنْصَافَ ونَوَاهُ ، وعَذَرَنَا فِي خَطَإٍ إنْ كَانَ منَّا ، وزَلَلٍ إنْ صَدَرَ عَنّا ، فَالْكَمَالُ مُحَالٌ لِغَيْرِ ذِي الْجَلالِ ، فالمرءُ غيرُ معْصُومٍ ، والنِّسْيَانُ غَيْرُ معْدومٍ )) . كما يقولُ ياقوتُ بن عبد الله الحموي في مقدِّمة كتابه المِعطار ((معجمُ الأدباء ج 1 ص 34 )) .
أَسْألُ اللهَ الْعَظِيمَ أنْ يَجْعَلَ هَذَا الْعَمَلَ خَالِصاً لِوَجْهِهِ الْكَريم ، ومُوجِباً للْفَوزِ بجَنَّاتِ النَّعِيمِ ، وَ صَلَّى اللهُ عَلَى سَيّدِنا محَمَّدٍ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ والتَّابِعِين .
[size=21] وكتَبَ ربيع الأديبُ
وفَرْغَتُ من تَسْويدِه يوم 16 شَعبان 1431 الموافق 28 يوليوز 2010
[ حُقُوقُ طَبعِ هَذَا الْمقَال غيرُ مَحفوظَة لأحَدٍ وَيُسْمَحُ لِكُلِّ أَحَدٍ طِبَاعَتُه وَتَرْجَمَتُه وَنَشْرُهُ بِالْمَجّانِ إِغَاظَةً لأَرْبَابِ القِبَابِ وَأَسَاطِين الشِّرك وَالْوَثَنيَةِ ، وَكَذَلِكَ الإِتِّجَارُ بِهِ دُونَ مُرَاجَعَةِ كَاتِبَهِ ، بشَرط عَدَم تحريف أي شَيء من مُحتواه ]